حصلت "إيران إنترناشيونال" على معلومات حصرية تفيد بأن 5 مواطنين أكراد حُكم عليهم بالإعدام والسجن المشدد لمدد طويلة، بناءً على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، بتهمة المساعدة في نقل معدات أسلحة استُخدمت في اغتيال محسن فخري زاده، الشخصية البارزة في المجال النووي العسكري الإيراني.
وذكر مصدران من مدينة "سردشت" وشخص مقرب من عائلات المتهمين لـ"إيران إنترناشيونال" أن قوات الأمن اعتقلت، بعد شهر من مقتل فخري زاده، رحمان قنجه من قرية "سورة جوم" بسردشت، وخالد إلياسي من قرية "قلعة رش" بسردشت.
وكان رحمان، وهو أب لثلاثة أطفال، يعتمد على تهريب المشروبات الكحولية لكسب رزقه، فيما كان خالد يعمل كـ"عتال"، ينقل بضائع مضمونة من كردستان العراق إلى إيران.
ووفقًا لهذه المصادر، اعترف رحمان وخالد تحت التعذيب بأنهما قاما، دون علمهما، بنقل أجزاء السلاح الروبوتي المستخدم في اغتيال فخري زاده إلى إيران.
وكلاهما يُعتبر المتهم الثامن في قضية اغتيال فخري زاده، حيث حُكم عليهما في البداية بالسجن 10 سنوات، لكن وفقًا لمصدر مطلع، تم تخفيف الحكم لاحقًا إلى 8 سنوات.
يأتي ذلك بينما كشف محمود علوي، وزير الاستخبارات الإيراني السابق، يوم الاثنين 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، أن جميع العناصر الرئيسية المشاركة في اغتيال فخري زاده فروا من البلاد في ذلك الوقت.
وقال علوي إن قوات وزارة الاستخبارات تأخرت نصف ساعة عن مطاردة منفذي الاغتيال. ووفقًا له، تتبعت القوات الأمنية أثرهم بدءًا من مقر إقامتهم في غرب طهران، مرورًا بأراك، ثم همدان، وبعدها سنندج، وأخيرًا سقز، لكنهم جميعًا تمكنوا من مغادرة البلاد.
رغم هذا الكشف، أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية قبل أسبوعين أن 3 أشخاص حُكم عليهم بالإعدام بتهمة نقل معدات استخدمت في اغتيال محسن فخري زاده.
وفي 4 نوفمبر (تشرين الثاني)، كشفت محكمة أذربيجان الغربية عن أسماء هؤلاء الأشخاص، وهم: إدريس علي، آزاد شجاعي، ورسول أحمد محمد، وهو مواطن من مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق.
اعتقال ثلاثة متهمين واعترافات تحت التعذيب
بينما أعلنت السلطة القضائية في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 عن إصدار لائحة الاتهام بحق المتهمين في قضية اغتيال فخري زاده، أفادت وسائل إعلام كردية بأن الأجهزة الأمنية، في يوليو (تموز) 2023، أي بعد عقد الجلسات الأولية للمحاكمة، اعتقلت ثلاثة "عتالين" بتهمة نقل معدات استخدمت في الاغتيال.
أحد هؤلاء العتالين يدعى إدريس علي من مواليد 31 ديسمبر (كانون الأول) 1989، في قرية "دوله گرم" التابعة لسردشت. ووفقًا لمصدر مقرب من عائلة إدريس، فقد تم احتجازه لمدة 8 أشهر في مركز اعتقال تابع لوزارة الاستخبارات، قبل نقله لاحقًا إلى السجن المركزي في أرومية.
المتهم الثاني هو آزاد شجاعي، ابن رحمان، من مواليد 27 يوليو (تموز) 1979 في سردشت.
وأفاد مصدر محلي لـ"إيران إنترناشيونال" أن آزاد وإدريس كانا يعملان كـ"عتالين" ويقومان بتهريب المشروبات الكحولية. وقد اعترفا خلال لقائهما مع عائلتيهما أنهما تعرضا للتعذيب، وأُجبرا على الاعتراف أمام كاميرا التلفزيون بأنهما نقلا معدات السلاح الروبوتي المستخدم في اغتيال فخري زاده.
أما المتهم الثالث، فهو رسول أحمد محمد، من مدينة السليمانية في العراق، والتي نشرت "إيران إنترناشيونال" صورة له للمرة الأولى.
ووفقًا لمصدر مطلع، كان رسول يعمل كـ"تاجر حدودي" في منطقة "قلادزه". واكتشفت الأجهزة الأمنية رقم هاتفه في هاتف إدريس، وبعد أسبوع تم اعتقاله، أي بعد عامين من اغتيال فخري زاده.
اتهامات العتالين والصراعات الحزبية في كردستان العراق
تكشف تقارير من وسائل الإعلام شبه الرسمية التابعة للحرس الثوري الإيراني عن خلفية تشكيل القضايا ضد العتالين بعد عامين من اغتيال فخري زاده.
هذه الوسائل الإعلامية تشير إلى أن "أجي أمين"، المسؤول السابق عن جهاز "زانياري" الأمني التابع لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، هو أحد المتهمين الرئيسيين في هذه القضية وعميل للموساد.
كان أمين في منصبه خلال فترة حكم لاهور طالباني، وكان له علاقات قوية مع النظام الإيراني.
لكن في ربيع 2021، أصبح أجي أمين شخصًا غير مرغوب فيه لدى إيران، بعد أن كشف موقع "“ياهو نيوز" نقلاً عن 15 مسؤولًا أميركيًا سابقًا وحاليًا أن أحد عناصر الوحدة المضادة للإرهاب في كردستان كان له دور في قتل قاسم سليماني.
في أواخر يوليو (تموز) من نفس العام، في ما يشبه انقلابًا عائليًا، قام بافل وقباد، أبناء جلال طالباني، بإزاحة ابن عمهم لاهور من السلطة، وتولا إدارة مدينة السليمانية. هؤلاء، مثل أسلافهم، حافظوا على علاقات وثيقة مع طهران، وسرعان ما تم طرد أجي أمين ولاهور طالباني، ليجدا ملجأً في أربيل.
وأشار مصدران مطلعان في كردستان العراق إلى أن هذه الحملة ضد أجي أمين تصاعدت بعد هذه الأحداث، سواء من قبل القيادة الجديدة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني أو من قبل النظام الإيراني.
وصل الأمر إلى درجة أن وسائل إعلام مقربة من الحرس الثوري الإيراني أعلنت في 14 يناير (كانون الثاني) 2024 أن الهجوم الصاروخي الذي شنته قوات الحرس الثوري على أربيل كان يهدف إلى قتل أجي أمين، وهو ما تم نفيه سريعًا.
وعلى الرغم من محاولات "إيران إنترناشيونال" للتواصل مع 3 شخصيات بارزة في الحزب، إلا أن المحاولات باءت بالفشل. ووفقًا لمصدر مطلع آخر، فإن اعتقال وتشكيل القضايا ضد إدريس وآزاد ورسول أحمد محمد كان جزءًا من تصفية الحسابات السياسية بين النظام الإيراني وأجي أمين.
العوامل الرئيسية في اغتيال فخري زاده
تم اغتيال محسن فخري زاده يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 عند تقاطع طريق فيروزكوه وأبسرد، الذي يبعد 91 كيلومترًا عن طهران.
على الرغم من أن التقارير الأولية تحدثت عن هجوم من عدة مسلحين على سيارة فخري زاده، إلا أنه بعد 5 أيام أفادت وكالة "فارس"، المرتبطة بالحرس الثوري، أنه تم اغتياله بواسطة رشاش آلي يتم التحكم فيه عن بُعد.
في ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام، عرضت "قناة 13" الإسرائيلية صورًا تم إعادة تمثيلها، وقدموا رواية عن اغتيال فخري زاده، حيث تم إطلاق النار عليه من مسافة 150 مترًا باستخدام رشاش كان مخفيًا في سيارة نيسان، وفقًا لأمر تم إصداره عبر الذكاء الصناعي من داخل إسرائيل.
بعد يومين من الحادث، نشرت بعض وسائل الإعلام المقربة من الحرس الثوري وقناة "تلغرام" مرتبطة بعناصر من الجيش صورة وبيانات شخص يُدعى محسن كياني بور، البالغ من العمر 31 عامًا، باعتباره أحد المتهمين في اغتيال فخري زاده، وطالبوا المواطنين بالإبلاغ عن أي مشاهدات له إلى وزارة المخابرات.
في خريف العام الماضي، كشف ضابط في الموساد يُدعى خَجاي إيتكين في مقابلة مع "قناة 12" الإسرائيلية عن تفاصيل إضافية حول عملية الاغتيال.
كان إيتكين في وقت الاغتيال يشغل منصب مدير قسم التكنولوجيا في الموساد. ونقلت القناة عن هذا الضابط قوله إن فخري زاده تم اغتياله بواسطة رشاش روبوتي وزنه طن، وهو سلاح كانت إسرائيل قد أرسلته إلى إيران بشكل غير قانوني على عدة دفعات صغيرة ليتم تجميعه هناك.
ووفقًا لهذا الضابط، كانت الكاميرات التي تم تركيبها مسبقًا في موقع الاغتيال توفر زوايا رؤية متعددة للمشغلين الإسرائيليين، وكان برنامج الذكاء الصناعي يحسب الوقت بين لحظة وصول الصور إلى المركز البعيد وعودة الأمر إلى الميدان. إضافة إلى ذلك، تم تركيب كاميرا مزودة ببرنامج للتعرف على الوجوه لضمان أن الرصاص يصيب فخري زاده فقط وليس زوجته.
واستغرقت العملية بأكملها ثلاث دقائق فقط، وكان الخطأ الوحيد هو أن السلاح الروبوتي كان من المفترض أن ينفجر بعد الاغتيال بطريقة لا تترك أي آثار، لكن انفجر بعض الأجزاء منه، مما ترك قطعًا متبقية.
بعد 10 أيام من الاغتيال، اعتقلت قوات الحرس الثوري وقوات الأمن الداخلي ما لا يقل عن 20 شخصًا في مدينة "بانه".
وأفادت وسائل إعلام محلية أن رجال الأمن عرضوا صورة محسن كياني بور على المواطنين أثناء تفتيش 10 منازل.
تم التعرف على كياني بور كأحد أعضاء فريق حماية فخري زاده، ويبدو أن المسؤولين كانوا يبحثون عن شخص في حادثة الاغتيال تم تسجيل اسمه "نيسان الأزرق".
في نفس الوقت، نقلت إذاعة فرنسا الدولية عن صحافي عربي مقيم في لندن أن وزارة المخابرات قامت بتوزيع صور ومعلومات عن 3 أشخاص آخرين باسم حميد باقر پناهی، حسن كماندار، وغلام سبزواري في الفنادق للتعرف عليهم.
الآن، وبالاعتراف من وزير المخابرات السابق، تبين أن العناصر الرئيسية المتورطة في هذه العملية، والتي تُنسب إلى الموساد، قد فروا من البلاد، وأن الجمهورية الإسلامية قامت لتغطية الفشل الاستخباراتي في هذه العملية بإصدار أحكام الإعدام ضد ثلاثة من العتالين على خلفية اعترافات إجبارية تم الحصول عليها تحت التعذيب الشديد.